
أتساءل كيف أستطيع أن أكتم صوتي بنفسي ، وألجم صرختي وأخنقها في حلقي ، وأنا أرى ما تنفطر له الأكباد ، و تنفجر له الاهات و الثورات في هذا الوطن . قبل ساعات قليلة تركنا جدتي بمصلحة المستعجلات بالمستشفى المركزي الذي يسمونه مستشفى الحسن الثاني – وهذا من صفات الانظمة الشمولية الاستبدادية التي تحرص أن تسمي كل البنايات والمنشءات الكبرى بها باسم الحاكم وابناءه و اسرته ، حتى اننا و نحن صغارا كنا نتندر بتسمية المطرح العمومي الكبير لاكادير قبل ان يغيروا مكانه بمزبلة الحسن الثاني ،ككل الساحات والاماكن الكبرى - .
جدتي المسكينة و المسنة وهي التي لازالت تتذكر أيام الجوع و الطاعون زمن الاستعمار ، وتذكر لنا بالتفاصيل الدقيقة الخيانات و التواطؤات و الاستغلال . من كانوا يدعون الوطنية ، الذين سرقوا ثورة الشعب و ألصقوا معها ثوارا كانوا اقرب منهم للسياح و نواب الاستعمار من منفييه و معارضيه .. جدتي اليوم أصيبت بنوبة و ارتفاع غير متوقع للضغط ، لما كانوا يبحثون لها عن سيارة اسعاف لنقلها للمستعجلات الى المستشفى الرئيسي بتارودانت ، كانت الفاجعة ، وليست المفاجأة أن مستشفى بلدية أيت ايعزة لا يتوفر على سيارة اسعاف ، و سيارة اسعاف الجماعة معطلة منذ شهر ماي الماضي ، و بفضل العلاقات و الصداقات أستطاع سائق سيارة اسعاف جماعة سيدي دحمان أن يتطوع ويغامر كي يقضي هذه المهمة . ولما وصلت الجدة الى المستشفى ، وفي وسط الاهمال الذي يعانيه رواد المستشفى ، مرة أخرى العلاقات تلعب دورا كي تجرى تحاليل للجدة ولو انها بالمقابل ، ثم و الأمريتطلب نقلها الى مستشفى أكادير من أجل اجراء فحص بالسكانير لشرايين الرأس ، بفضل كل تلك العلاقات يأمر الطبيب بأن يؤدى ثمن الوقود لسيارة الاسعاف التي ينتظرها كثير من المرضى و المصابون في الرياضة الاكثر شعبية في المنطقة ، و هي السقوط بالمظلات من الطائرات و التي تنظم بالمطار الصغيرهذه الأيام - للاشارة فقط توفي بالمسابقة مشارك من ليبيا و آخر قطعت ساقه أو رجله اليوم ، و الله ارجو ان يزيدهم خسائر و كوارث - . الوقود 150 درهم و السائق أخذ 100 درهم ، و جدتي في سيارة اسعاف عمومية بالايجار ، وان رفضتَ عليك بالاتصال بسيارة اسعاف خاصة تأتيك من أكادير بالف و خمسمائة درهم أو ألفين . مع العلم أن اقليم تارودانت يتكون من 89 جماعة منها 8 حضرية ، ولا تتوفر قيادة تارودانت للوقاية المدنية الا على 3 سيرات اسعاف لا تغطي تراب الاقليم بل في الغالب لا تتحرك من مكانها . وهنا نتساءل ككل الأغبياء ربما ، أو نسأل هؤلاء الأغبياء : كيف نبني مصحة مجهزة بأحدث التقنيات، و مستشفيات عسكرية ببلدان افريقيا ، و نوزع سيارات لبرلمانيين في بلاد أخرى ، و هذا حال وطننا ؟ هل هذه سخرية ، أم حكرة ، أم اهانة ؟ نعم انها اهانة و احتقار ، بل وسوء تدبير و تسيير و شطط في تبدير و انفاق أموال الأمة والشعب ، لن نسمح، و لن نتسامح أبدا مع مرتكبيه ، وأباؤنا ، وأبناؤنا ، والفقراء يموتون بين سيارات الاسعاف العاطلة ، والتي تنتظر منا أن ندفع لسائقها ثمن البنزين و سيجارته كي يغامر بنا بمحركات مهترئة في طرقات خطرة ..
اذن كيف تستطيع أن تكتم صوتك و تخرص كلمتك ، وتئد الصرخة في حنجرتك ان لم تكن ميتا أصلا ، شبحا يمشي ، واسما نكرة ، ضبابا في سجل الادراة التي تحسب أنفاسك و تقتل أحلامك و أوهامك ؟..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق