السبت، نوفمبر 19، 2011

حكاية لقادمين من ضيعتين.

حكاية لقادمين من ضيعتين.

قد كنا في ضيعة فسيحة . لكننا رغم ذلك لم يكن يسمح لنا أن نخرج بعيدا مثل باقي القطيع .كنا في اسطبل مغطى .يأتي العلف الينا كل وقت . نعم . الشعير . والشمندر . و الفصة . والذرة .و الماء . نعم حتى الطبيب . نعم . يأتي الطبيب البيطري أحيانا كل  أسبوع. اللقاح و القطرات في الأذنين و الفم  والأعين . ثم ينظف الاسطبل  ويرش بالمبيدات  و المطهرات . لقد كنا في رفاهية حقا ....

*                 * * * * * *                         * * * * *                *



نحن يأخي لم نر بيطريا قط . الا أننا كنا نساق في حملة جماعية من حين لأخر لعملية الكي  وحلق الصوف .لم نر طبيبا بيطريا قط .و لكن كنا أحسن منكم نخرج في قطيع كبير نرعى في الروابي الشا سعة . تحت أشعة الشمس الصباحية .هذا في السنة الأولى . أما منذ أشهر. فاننا. كذلك. تم حجزنا في زريبة و تم عزلنا عن باقي القطيع . تأتينا الفصة و بعض الشعير و التبن في خليط مع أشياء أخرى لا نعرفها الا أنها لذيذة .ولكن أحجارا كبيرة من الملح كانت حاضرة في مكان العلف .كلما انتهى العلف نتسلى بلعقها  بالليل و النهار حتى ألفناها .يقولون انها تسمن وتزيد في الوزن . وسمعت مرة الكساب/الفلاح. قال لأحد التجار جاء يتفقد القطيع لما قال له لا تعطهم الملح كثيرا  خصوصا اذا اقترب العيد -.قال له انه جيد ومفيد يقتل الفطريات و الجراثيم في الأمعاء .وازداد حبنا للملح.. . لكن قل لي كيف وصلت أنت الى هنا . الى هذا السوق الشعبي .و أنت من ضيعة صرفت فيها الأموال الكثيرة .

*                           * * * * *                         * * * * * *                    *

مع اقتراب العيد.تأتي الى الضيعة سيارات فخمة سوداء فيها رجال قليلي الابتسام و الكلام . وأحيانا تأتي معهم نساء لا يدعن لهؤلاء الرجال الذين تبدو عليهم السلطة و النفوذ .أية سلطة . فلا يتكلم أحدهم  ولا يتقدم  أمامها  الا باشارة . ينظرون من بعيد . ويكتفون فقط بانطباع السائقين أو الأتباع الذين يغرزون أصابعهم بقوة في أظهرنا ولا نعلم أذلك انتقاما من أسيادهم أم أن ذلك كله اخلاص في العمل .و يفتحون أفواهنا يتطلعون الى أسناننا . ونبتسم ولو أننا لا نعرف ما هو الابتسام . فيبتسمون هم و قد تضحك النساء  أو يحركون جميعهم رؤوسهم رضى ...وفي يوم من هذه الأيام جاء دوري كي توضع علامة  على أحد أذني . و البارحة جاء أحدهم  وأصعدني الى سيارة نقل مكشوفة . السائق تعجب من الوزن الزائد كما ترى .وصعدا السيارة و انطلقنا .خرجت السيارة من الضيعة متجهة نحو المدينة . وسمعت السائق يسأل أين ستضعون هذا الخير تبارك الله .قال له صاحبنا ان سيدي الذي اشتراه لديه فيلا كبيرة بها حديقة كبيرة بها ثلاث كلاب . هناك متسع و كراجات  تبارك الله .
لكن لما وصلنا الى احد ملتقيات الطرق عند مدخل المدينة .كان هناك ازدحام شديد ربما بسبب حادث أو ما شابه . توقفت السيارات . ونزل السائق و صاحبنا . وأظن أنه كان هناك شجار و غوغاء . ....جاءت سيارة نقل صغيرة مكشوفة . توقفت الى جانب سيارتنا . نزل مها اثنان غير السائق .وأنزلاني  وغيرا مركبي  و انطلقت السيارة في غفلة الأخرين . على جنبات الطريق في مسالك غير الطريق المعبدة .وأنا هنا معكم  الأن  وقد ازالا العلامة من أذني و وضعوا حناء على رأسي . وأعطوني أنا كذلك الملح اليوم صباحا .لا شيء غير الملح ..بالمناسبة انه ينفخ البطن و لا تحتاج معه الى طعام .هههه.....

*            * * * * *                                 * * * * *  *                           *

نحن جئنا من مناطق بعيدة في شاحنات . وأظن  أننا مررنا من أيدي وسطاء كثيرين . لقد سمعت أحدهم يقول لصاحبه منذ يومين.. يأستاذ .كثرة الوسطاء هو الذي رفع الأسعار . ونحن لم نسحب رواتبنا بعد . والله لا نشتري حتى يتبقى يوم واحد للعيد. لصوص بمعنى الكلمة .أجابه رفيقه .صدقت يا أستاذ ...وعرفت أنهم رجال التعليم الذين يأتون الى السوق كل يوم و لا يغادرون حتى تتورم  أظهر كل ما في السوق من خراف من كثرة بطش أيديهم .اوف ...
أظن يا صديقي أنك ستكون من نصيب أسرة ميسورة .سمعت أنهم يطلبون في حقك سعرا كبيرا . أما أنا .....أه ماهاذا .ماهذا . أحدهم يجرني من قرني .ماهاذا . وداعا أخي .....

*                  * * * * *                           * * * * * *                           *

أنا الان في سيارة نقل بضائع صغيرة مكشوفة كذلك .و تمنيت لو أعيش مغامرة مثل صديقي . . أن تتوقف السيارة و يأتي من يريد انزالي فأقفز . وأهرب راكضا في الروابي .لكن الى أين . وأنا أنظر الى سيدة و طفليها يركبون معي على ظهر السيارة . بينما زوجها مع السائق ...أنظر اليها و هي تمسك بقرني . والطفلان سعيدان يمسحان على رأسي . يقول أحدهما للأخر .انه أكبر من خروف عمي وجارنا علال .. فيقول له الطفل الأكبر بل انه أصغر منهما . نريد خروفا أكبر ماما . مثل الذي رأيناه قريبا منه في السوق . ربما يقصدون صديقي المسروق ...فقالت الأم و في كلماتها نبرات حزن وفرح ووجهها يتلألأ بأشياء جميلة من أمومة و حنان للولدين. و لي كذلك .. الحمد لله يا ولدي .أنتم لا تعلمون أن والدكم قد اشتراه بقسط كراء البيت لهاذا الشهر . واشترى لكم ملابس العيد بما تبقى من راتبه . وأدى ديون البقال و الجيران فأنتم تعلمون أنه راتبه الأول بعد عطالته لستة أشهر عن العمل بعدما سرحه مشغله من العمل بسبب الاحتجاجات و المظاهرات في المعمل ..الله يكمل بخير ياأولادي ؤ صافي ... فعانقتهم و قبلتهم قبلا و قبلا .....
وفكرت أنا كذلك في الاحتجاج . وتحركت لدي رغبة في القبل . لكنني و ضعت رأسي و أسلمت نفسي لراحة تامة .أستشعر كف الطفل البريئة على رأسي ...رايت الأطفال وأمهم . وتذكرت ابتسامتي ولساني بين أسناني و رأسي على الفحم أشم رائحة صوفه . .و الأطفال و أمهم و أبيهم يأكلون كبدي المشوية وشحمي و يضحكون و يكبرون الله أكبر ..الله أكبر  ويحمدونه ..فرحين . فكان لي ذلك السلوى من عند المولى الذي يجازي الكل بما نوى ...


محمد رضوان
 2011-11-19

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق