بقلم : مبارك الحسناوي
لكن عندما تحول المفردات إلى جمل و تبحث عن ضحايا حرب الصحراء أو أبناء شهداء الوحدة الترابية أو الأسرى المغاربة. حينها ستصدم عندما تكتشف أن جل ما كتب في المواقع الالكترونية إنما هو حديث عن المعاناة و الحرمان و النكران الذي قوبلت به تضحياتهم، و لا تكاد تجد مبادرة من جهة رسمية ما في التفاتة إلى هذه الشريحة المناضلة إلا ناذرا.
أما عندما تنتقل إلى أرض الواقع و تسأل مسؤولا عن شهداء و أسرى و مفقودي حرب الصحراء، فإنك ستصدم عندما تكتشف أن أغلب مسؤولينا لا يعلمون شيءً عن حرب الصحراء و لا عن ضحاياها . ولا يفرقون بين الأسرى و العائدين علما أن ما بينهما من الفرق فات ما بين السماء و الأرض ، فالأسير: جندي مغربي حمل السلاح لينعم مسؤولينا في الأمن و الرخاء و يدافع عن حوزة الوطن و (مقدساته) و العائدون: هم ممن كانوا يحسبون على جبهة البوليساريو لكنهم غيروا قناعاتهم لسبب من الأسباب. أو هم ممن استهواهم بريق التعويضات الممنوحة للعائدين فيعبرون الحدود من الجزائر أو موريتانيا – قبيلة الكجيجمات - على سبيل المثال.
مفاهيم لا بد أن تعرف:
· حرب الصحراء :الحرب التي دارت رحاها بين الجيش المغربي و الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "البوليساريو" بعد انسحاب آخر جندي إسباني من الصحراء في 12 يناير 1976 إلى غاية سبتمبر 1991 تاريخ الاتفاق على وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع.
- ضحايا حرب الصحراء و ذوو حقوقهم :
* الشهداء : استشهد في هذه الحرب آلاف الشهداء ما بين عسكريين – الجيش و القوات المساعدة و الدرك- و مدنيين. (30 ألف شهيد حسب إحصاءات الجمعية الوطنية لأسر شهداء و مــــفقودي و أسرى الصحراء المغربية) و هؤلاء منهم من استشهد في المعارك و منهم من قضى تحت التعذيب و أهين بعد موته فدفن في مزبلة اصطلح عليها الأسرى مقبرة الشهداء، و للأسف لم تصرح الدولة المغربية إلى اليوم بعدد من استشهد في هذه الحرب .؟؟؟؟؟؟
*المفقودين: مواطنون مغاربة انخرطوا في صفوف القوات المسلحة الملكية للدفاع عن حوزة التراب الوطني و شاركوا في المعارك الحربية ضد جبهة البوليساريو ،حيث فقد منهم المئات(700 مفقود حسب الإحصاء الذي أنجزته الجمعية الوطنية لأسر شهداء و مــــفقودي و أسرى الصحراء المغربية) بسبب لغم أرضي، أو قذيفة من السلاح الثقيل حولت أجسادهم إلى أشلاء استحالت معها إمكانية التعرف عليهم،أو كانوا من المعطوبين الذين أسروا ووافتهم المنية في الطريق نحو تندوف و ألقى البوليساريو بجثتهم في الصحراء لتبقى عرضة لهوام الصحراء و وحوشها،أو تم أسرهم في غفلة منهم في مواقع مختلفة، وبالتالي لم يعرف لهم مصير و تكتم العدو على هويتهم، لازال مصير العديد منهم مجهولا.
الأسرى: جنود مغاربة خاضوا المعاركة في مواجهة جبهة البوليزاريو و وقعوا في الأسر (علما أن بعضهم يحكي قصصا على أنهم بيعوا للعدو بيعا بإقرار العدو ).
و قد أشارت بعض التقارير إلى كونهم 2400 أسير لكن هذا العدد غير دقيق لأنه لم يحتسب من قتل تحت التعذيب أو وافاه الأجل في الأسر، و إنما هو لعدد الأسرى الذين تمكنوا من الهرب أو العودة عن طريق الصليب الأحمر الدولي.
ذوو حقوق الشهداء و الأسرى و المفقودين : إن ضحايا حرب الصحراء لا يمكن حصرهم فقط في الشهداء و المفقودين و الأسرى بل ينطبق أيضا على ذوي حقوقهم و هم : الأب و الأم و الزوجة و الأبناء و هؤلاء هم الأشد تأثرا بحادثة الاستشهاد و الفقد و الأسر .
و لا زلت أتذكر بمرارة تلك الأيام و أتذكر حينما اصطف الأعمام و الأخوال خلف المذياع يستمعون إلى وصية والدي بعد أن اسر، و كنت آنذاك صغيرا لم استوعب حقيقة ما يجري حولي لكنني ذرفت الدموع مع الباكين من حولي و أغلبهم كان يمسح بيده على رأسي لما في ذلك من تطييب للخاطر و تعويضا و لو جزئي عن اسر الوالد.
انتهت الحرب و لم تنته المعاناة :
بعد أن وضعت الحرب أوزارها كان الأولى بالدولة المغربية و حتى أثناء الحرب أن تعطي شواهد الوفاة لعوائل من استشهد و تخبرهم عن مكان استشهادهم و تطالب برفات من بقي رفاته عند العدو ، و تطالب بإطلاق سراح الأسرى و تسلم لذويهم شواهد ثبت واقعة الأسر أو واقعة الفقد لكن كل هذا لم يقع و هذه بعض الخروقات المسجلة ضد الدولة المغربية في هذا الملف حسب التقرير الذي أعدته الجمعية الوطنية لأسر شهداء و مــــفقودي و أسرى الصحراء المغربية:
* الطريقة اللامسؤولة واللاأخلاقية التي اعتمدتها الدولة المغربية في إخبار الأسر عند استشهاد ذويها دون أدنى احترام لمشاعر هذه الأسر، بل أكثر من ذلك لم يكن مسموحا لهم حتى البكاء على فراق أحبتهم تحت أشكال مختلفة من التهديد و الوعيد من طرف السلطة بتلاوينها. (خرق الحق في المعرفة)
* لم يكن مسموحا خلال سنوات الحرب الحديث عنهم لا في الجلسات العائلية، و لا العمومية أو عبر وسائل الإعلام مع تلويح الإدارة المغربية عبر أعوانها بأقصى العقوبات في حق كل من سولت له نفسه ذلك .
* التعتيم الذي اعتمدته الدولة بخصوص ملف الشهداء (لم يتم الإفصاح عن عدد الشهداء لحد الآن).
* المعاش الهزيل لأرامل الشهداء لم يعرف إلا زيادة تبقى محتشمة و دون أن يتجاوز في مجموعه الحد الأدنى للأجور.(لايتجاوز 1800درهم)ليجدن أنفسهن مضطرات للعمل في الضيعات الفلاحية ،و المعامل بالأحياء الصناعية، و أكثر من ذلك خادمات في البيوت.
* حرمان مجموعة من أسر الشهداء من التأمين الصحي بدون سابق إشعار مع الاستمرار في اقتطاع أقساط التأمين الصحي.
* عدم تعويض أسر الشهداء.
* عدم استفادة مجموعة من أسر الشهداء من الحقوق المخولة لها من طرف المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية سابقا ومؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين وقدماء المحاربين.
* حسب الإحصاء الذي أنجزته الجمعية عبر فروعها تبين أن أغلب الأرامل أميات. الشيء الذي عرضهن للإهانة والمضايقة عند ولوجهن للإدارات من أجل إعداد الوثائق المطلوبة.(سوء المعاملة و الإذلال الذي تعرضت له الأرامل و زوجات الأسرى و المفقودين مع مختلف دواليب الإدارة المغربية خلال إعداد الوثائق الإدارية زادته الأمية في صفوفهن حدة.)
* إصابة معظم الأرامل بأنواع من الأمراض المزمنة الصحية والنفسية نخرت أجسامهن من جراء ثقل المسؤولية، تستدعي متابعة طبية لصيقة، أصبحن بسببها هياكل بشرية متحركة تدمي القلوب .
* تفشي البطالة وسط أبناء الشهداء، وتخلي الدولة عنهم رغم الوعود المناسباتية العديدة، وإقصائهم من كل عمليات التوظيف المباشر،بما فيها تلك التي شهدتها الأقاليم الجنوبية للمملكة التي ضحى آباؤهم من أجلها بدمائهم و حرياتهم و لازال مصير بعضهم مجهولا لحدود الساعـة –تبقى العملية الأخيرة بعد عيد الأضحى للتوظيف المباشر خير دليل من سنة 2010- علما أن المسح الذي أجرته الجمعية الجمعية الوطنية لأسر شهداء و مفقودي و أسرى حرب الصحراء بيّن أن حاملي الإجازة العاطلين عن العمل عبر التراب الوطني لم يتجاوز60 حالة .
*حرمان الأيتام من صفة مكفول الأمة(مهمل الأمة) منذ استشهاد و أسر و فقدان الأباء حسب الظهير المنظم والتي تخول لحاملها عدة امتيازات نذكرمن بينها : تعويض مادي سنوي حدد مع الحكومة الحالية في 15000درهم،الأولوية في المناصب في المؤسسات العمومية.،.....إلخ
*حرمان العديد من أسر الشريحة من السكن مع تسجيل استفادة من لا يستحق.
*مسطرة تحفيظ المساكن المسلمة للأسر منذ أوائل الثمانينات لازالت لم تعرف مسارها الصحيح لحدود الساعة.لو تم منذ سنوات لأمكن إنقاذ الأبناء من الضياع و تأمين مستقبلهم.
*اضطرار الأيتام من العنصر النسوي بعد وفاة أرملة الشهيد(الأم) الاشتغال في مهن حاطة بالكرامة،أوالخروج إلى الشارع بحثا عن لقمة العيش-يبعن أجسادهن- .
*تسجيل حالات انتحار في صفوف الشبان من أبناء الشريحة بسبب الوضع الاقتصادي الاجتماعي المأزوم و انعكاساته النفسية،بكل من زاكورة و القنيطرة ومكناس.
و هنا لكم أن تتساءلوا معنا جميعا ما الحالة النفسية، و أية روح قتالية ستكون للجندي المغربي في حالة اندلعت الحرب، و هو يعلم مسبقا أن الوطن سيجحد استبساله و يتنكر له و لأبنائه وأهله كما حدث لمن سبقه من الشهداء و الأسرى و المفقودين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق